المتعة والسعادة في سطور

بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد …
فإن العالم كله اليوم تائه يبحث عن السعادة والمتعة ، منهم من يراها في النساء الحسناوات ، وآخر يراها في البنين والحفدة ، وآخر يراها في القناطير المقنطرة من الذهب والفضة ، وآخر يراها في مركوب أو مأكول و مشروب ، وكل هذه شهوات تعطي سعادة مؤقتة ، وهذ ما سماه الله تعالى متاعًا قال تعالى : ((زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) (14 آل عمران) ، وأحيانا يكون البغي – عند بعض الناس – متاعا كما قال تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) (23 يونس)، وكما في قوله تعالى للكافر : ((قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)) (8 الزمر) .

نظرة في تعاريف السعادة 
تباينت وتعددت تعاريف السعادة حتى صارت بالمئات ، وكلهم اتفقوا على أنه :
بدون سعادة ليس لأي شيء معني  ، ذكرت مريام ويبستار (Meriam-webster) في معجمها الإنجليزي أشهر 10 تعريفات للسعادة لأشهر الكتاب والفلاسفة في العالم.
بعدما بدأت بتعريف خاص بها أوجزته في أن السعادة حالة العافية والقناعة والتجربة التي تعيشها وتشعر بالرضا أو المتعة من خلالها.
وقالت ويبستر في معجمها الإلكتروني إننا نستطلع في البحث عن مفهوم السعادة من خلال القراءة في العقول العظيمة في التاريخ. والتي قد توصلنا إلي تعريفات أساسية نستوضح منها أهم مفاهيم السعادة فتقول إن الفيلسوف أرسطو قد عرف السعادة بأنها المعني والغرض من الحياة والهدف الكامل ونهاية الوجود الإنساني كما أن السعادة من وجهة نظره تكمن في الحكمة وليس السعيد في الدنيا مثل العاقل الحكيم. ونبذ أرسطو من يري أن السعادة في الحياة الحيوانية وقال إنه لا يعير هؤلاء أية أهمية بل لا يذكرهم علي الإطلاق, أما بعض الناس الذين يرون أن السعادة في الثراء فهم خاطئون, ومن يرون أن السعادة في المجد, فإن المجد ليس رهن إرادتنا, ومن يزعمون أن السعادة في اللذة, فإذا كانت اللذة هي الخير الوحيد, لكانت كل التعريفات الخاصة بالسعادة خطأ ويجب البحث عن تعريف آخر.
أما الأديب والروائي العالمي تولستوي فيري أن السعادة هي أن تملك ثلاثة أشياء شيء تعمله وشيء تحبه وشيء تطمح إليه. ويقول أيضا إننا نبحث عن السعادة غالبا وهي قريبة منا, كما نبحث في كثير من الأحيان عن النظارة وهي فوق عيوننا .

ويري المهاتما غاندي أن السعادة هي أن يكون ما تفكر فيه وما تقوله وما تفعله منسجما. فإذا توافقت أفكارك مع أفعالك فإن ذلك هو السعادة الحقيقية .

وتقول الكاتبة والفيلسوفة الأمريكية أين راند إن السعادة هي حالة من الإدراك التي تأتي من إنجاز قيمة. فكلما كان الشخص قادرا علي تحقيق شيء ذي قيمة كان أسعد الناس.
أما الروائي الأمريكي واين داير فيقول إن السعادة هي شيء نابع منك ونتيجة لطريقتك في التفكير فهو يري أن كل شخص بداخله مفاتيح سعادته وعليه أن يبحث عنها جيدا وألا يضيع من عمره الكثير من الوقت.

ويري الروائي الأمريكي وليام أتش شيلدون أن السعادة جوهريا هي حالة للذهاب لمكان ما باتجاه واحد بدون أسف أوندم, فالسعادة قرار لابد أن تتخذه سريعا.

ويعرف الروائي الأمريكي روبرت أنجرسول السعادة بأنها ليست جائزة بل هي نتيجة ويقول أيضا إن من السعادة في كل عصر أن يكون هناك من لديه فرادانية وشجاعة كافية ليقف من أجل قناعاته ويدافع عنها.

ويري جورج شيهين أن السعادة مختلفة عن السرور فالسعادة هي شيء تفعله بالكفاح والمدوامة عليه وتحقيق الإنجاز.

أما الكاتب والفيلسوف السويسري جان جاك روسو فيقول لنصلح ذاوتنا أولا فمتي تم ذلك كانت السعادة من نصيبنا. فالسعادة هي أن نعرف ما نريد وأن نريده بإلحاح.
وتري مارجريت لي رانبيك أن السعادة ليست محطة تصل إليها ولكنها أسلوب للطريق.

أما الروائي الأمريكي دينيس وايتليي فيقول السعادة تجربة روحانية لقضاء كل دقيقة مع الحب, والنعمة, والعفو, والامتنان. وهي أيضا الشعور بالرضا, وطمأنينة النفس, وتحقيق الذات, وشعور بالبهجة والاستمتاع واللذة, وباختلاف أحوال الناس وأوضاعهم وأفكارهم.

ولكن في النهاية تتعدد التعريفات وتتباين الآراء حول مفهوم السعادة وما زال الجميع يبحثون عنها ولكن يبقي تعريف السعادة الذي لن يختلف عليه أحد هو ما ذكره الكاتب الكبير أنيس منصور بأننا نقرأ السعادة في وجه كل من يعمل بإخلاص.

نظرتي للسعادة
أرى أن الإنسان كلما سعى لتحقيق حلم معين فإنه يكون سعيدًا ؛ لأنه يقترب من تحقيق حلمه ؛ وتزداد سعادته كلما اقترب من تحول الحلم إلى واقع ؛ حتى إذا تحقق حلمه كان في ذِرْوَة السعادة ، ولكنها للأسف سعادة وقتية لا تستمر كثيرًا ؛ لسببين ، الأول : طبيعة النسيان المترسخة في الإنسان ؛ فسرعان ما ينسى ما أكرمه الله به “وإذا مس الإنسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر كأن لم يدعنا إلى ضر مسه” والسبب الغفلة والإسراف في المعاصي “كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون” ، الثاني : كثرة الهموم والمنغصات “لقد خلقنا الإنسان في كبد” “لتركبن طبقًا عن طبق” .
وبعد ذلك يبدو على طريق الإنسان حلم آخر أكبر من الحلم الأول فيسعى إلى تحقيقه ، وكلما اقترب من حلمه كان أسعد ، وهكذا ، وهو ما أسميه “دورة السعادة البشرية المؤقتة” 
وأشهر مثال على ذلك ما قاله عمر بن عبد العزيز – رحمه الله – “إنَّ لي نفسًا توّاقة، تاقت إلى فاطمةُ بنت عبد الملك فتَزَّوَجتُها، وتاقت إلى الإمارة فَوليتُها، وتاقت إلى الخِلافة فأدركتُها، وقد تاقت الآن إلى الجنة، فأرجو أن أُدركَها، إن شاء الله  عزّ وجَل”.

 والخلاصة أن السعادة الدائمة لا تتحقق لمن جعل حلمه في الدنيا ؛ لأن الدنيا دار فناء وشقاء ، وأما الآخرة فهي دار بقاء ونقاء ، فالسعادة المستمرة الأبدية التي لا تنقطع أبدًا لا تتحقق إلا لمن جعل غايته رضوان الله والجنة ؛ لأنه إن جعل سعادته في غاية دنيوية قد يعترضه شيء مما يعترض البشر كمرض أو فقر ، وحينئذ يحال بينه وبين سعادته ، بل وربما يصاب بهموم وغموم تسبب له النكد والكدر ، أو الموت أحيانًا ، وأما من جعل غايته في الآخرة فهو لا يعبؤ بأمور الدنيا مهما كانت همومها وتقلباتها ؛ فهو مشوق للقاء لله ، مع الرابط المذكور أولا “الشعور بالسعادة أثناء السعى إلى هدفه حتى يصل إليه” ، ولا تنس أن القناعة كنز لا يفنى ، فالمؤمن ليسا شرِهًا ولا نهِمًا ولا أكولًا ، وإنما زاده في الدنيا كزاد الراكب ، وقليل يكفيه خير من كثير يطغيه ؛ فهو يدرك المعنى الواسع للرزق ، سلبيًا كان أو إيجابيًا ؛ فالرزق كل ما انتفع به الإنسان سلبًا وإيجابًا ،

ولهذا عَرَّفْتُ السعادة  بأنها “أمتع شعور يُغْنِي العبدَ عن سائر الخلق ، ويحصل ذلك الشعور ويستمر ما دام العبد يسعى إلى رضوان الله “.

وهذا ظاهر في الحديث عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا مُحَمَّدُ، عِشْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَيِّتٌ، وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَإِنَّكَ مَجْزِيٌّ بِهِ، وَأَحْبِبْ مَنْ شِئْتَ فَإِنَّكَ مُفَارِقُهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ شَرَفَ الْمُؤْمِنِ قِيَامُ اللَّيْلِ، وَعِزِّهُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنِ النَّاسِ» . (*)

وهناك نصوص قرآنية ونبوية وآثار عن الصالحين تجلي هذه الحقائق منها  :

1-قول الله – تعالى – ((وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ)) (الفرقان 58) ؛ فما من حي تعلق به سعادتك إلا ويموت ، وحينئذ ستصاب بالكآبة والحزن ، وأما الله فهو حي لا يموت ، فإذا توكلت عليه فلن تحزن أبدًا ، “ومن كان رزقه على الله فلا يحزن” .

2-قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : “«مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًا فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ طَعَامُ يَوْمٍ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِها»[1]

، وقال : “قد أفلح من أسلم ، ورُزِقَ كَفَافًا ، وقنعه الله بما آتاه”[2] .

3- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي، فَقَالَ: «كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ» وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ، يَقُولُ: «إِذَا أَمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ»[3] .

4- عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: لَمَّا وَجَدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَرْبِ الْمَوْتِ مَا وَجَدَ، قَالَتْ: فَاطِمَةُ وَا كَرْبَ أَبَتَاهُ، فَقَالَ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا كَرْبَ عَلَى أَبِيكِ بَعْدَ الْيَوْمِ، إِنَّهُ قَدْ حَضَرَ مِنْ أَبِيكِ مَا لَيْسَ بِتَارِكٍ مِنْهُ أَحَدًا، الْمُوَافَاةُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»[4] .

5-عن عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الجَنَّةِ، ثُمَّ يُخَيَّرُ» فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ سَاعَةً، ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ، ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى» قُلْتُ: إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ، قَالَتْ: فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى»[5] .

6-لما حضرت الوفاة بلالًا – رضي الله عنه – حزنت زوجه وبكت وصاحت “وا ويلاه” وهو يقول : ” وا فرحتاه ، غدا نلقى الأحبة محمدًا وحِزْبه”.[6]

7-لما خُيِّر سيدنا يوسف – عليه الصلاة والسلام – بين الفاحشة والسجن قال : ((رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ)) (يوسف 33) ، قيل إن الله – تعالى – عاتبه على ذلك ، وأوحى إليه : “يا يوسف أنت حبست نفسك حيث قلت السجن أحب إلي ، ولو قلت العافية أحب إلي لعوفيت”[7] .

8-قال ابن القيم – رحمه الله – : “سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية – قدس الله روحه – يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة .

وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي ؟ أنا جنتي وبستاني في صدري ، إن رحت فهي معي لا تفارقني ، إن حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة .

وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القاعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة ، أو قال ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير ، ونحو هذا .

وكان يقول في سجوده وهو محبوس اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ما شاء الله وقال لي مرة: المحبوس من حبس قلبه عن ربه تعالى ، والمأسور من أسره هواه .

ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: { فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ} (الحديد 13) .

وعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط ، مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها ، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق ، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً، وأشرحهم صدراً، وأقواهم قلباً، وأسرهم نفساً ، تلوح نضرة النعيم على وجهه.

وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه ، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة .

فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه، وفتح لهم أبوابها في دار العمل ، فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها.

وكان بعض العارفين يقول: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.

وقال آخر: مساكين أهل الدنيا، خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل: وما أطيب ما فيها ؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره ، أو نحو هذا.

وقال آخر: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً.

وقال آخر: إنه لتمر بي أوقات أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب” [8].

نظرة فلسفية للسعادة
ذكر أستاذنا د.إبراهيم الفقي – رحمه الله – تحليلًا لكلمة “السعاده” هكذا بالهاء ، فقال :
إذا حذفت العين صارت “الساده” ، وإذا حذفت السين صارت “العاده” ، وإذا حذفت السين والعين والدال صارت “الله” ، والخلاصة “سادة الحياة هم الذين يحولون العادة إلى سعادة في حب الله تعالى” .
…. …. ….
نرجع إلى الدنيا مرة ثانية ، الدنيا متعة عابرة كما قال مؤمن آل فرعون : ((يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ)) (39 المؤمن) يقول لهم يا أيها الناس الدنيا دار ممر وليست دار مقر ؛ فاعبروها ولا تعمروها ، والمتاع كما قال بعض شيوخنا رحمهم الله لذة سريعة كالذي يشتري حذاءً جديدا يفرح به يومين وسرعان ما يبلى ويمل منه ، أو قصرا مشيدا ثم يمر شهر أو شهران فيتحول عنه ، السعادة أسمى من كل هذه الشهوات ، والمتاع الحقيقي المستمر هو السعادة الحقيقية في الدنيا والتي تستمر في الآخرة أيضا بفضل الله للمؤمنين كما قال تعالى : ((وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى)) (3 هود)
قال ابن قتيبة: يُعمِّركْم. وأصل الإِمتاع: الإِطالة، يقال: أمتع الله بك، ومتَّع الله بك، إِمتاعاً ومتاعاً، والشيء الطويل: ماتع، يقال: جبل ماتع، وقد متاع النهار: إِذا تطاول.

وهكذا قال الله سبحانه عن قوم يونس عليه السلام لما آمنوا : ((فَلَوْلا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ)) (98) يونس .
إذن متاع الدنيا قليل وليس طويلا كما قال الله سبحانه 
:
((قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلَا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا )) (77 النساء) .

((لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ)) (197) آل عمران .
(( إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)) (117) النحل .
لن أتحدث عن نسب الإنتحار في الغرب أو الشرق بسبب فرار الروح من طغيان المادة ، ولكن نقول ومن خلال النصوص المتقدمة نقول إن المتاع نوعان ، الأول متاع قليل للكافرين والفاسقين والعياذ بالله : لا خير في لذة من بعدها النار ،
وأما النوع الثاني فهو فهو متاع طويل وهذا ثلاثة أقسام قسم في الدنيا ثم ثاني في القبر ثم ثالث في الجنة ، اللهم اجعلنا من أهلها في الفردوس الأعلى ، ويرحم الله عبدا قال آمين .
وعندما نسوق هذه النصوص الكريمة لا نقصد تحريم ما أحل الله من المتع المؤقتة ، أبدا ، بل ندعو البشر إلى الاستمتاع بهذه المتع بما أحل الله مع تقدير النعم وشكر المنعم عز وجل ، والاتصال بالمنعم سبحانه لا بالنعم ، قال الله تبارك وتعالى :
((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) (32 الأعراف) .

وكما قال شيوخنا : الصالحون قديما كانوا يضيقون أبواب الحرام ويوسعون أبواب الحلال ، ونستطيع أن نقول اليوم بكل يقين : من يسر طريقا للحلال فقد يسر طريقا للحرام ، وأقول مثل الذي يسارع في طلب لذائذ الدنيا وينصرف عن لذائذ الآخرة كمثل رجل دخل متجرا كبيرا ووجد فيه حلويات منتهية الصلاحية بثمن رخيص ، ووجد صناديق زجاجية بها حلي وأساورة من ذهب وألماس ومكتوب عليها مجانا لمن يمد إليه يديه ويحافظ عليه ، فلم يصدق وأمسك بالحلويات ثم خرج دون أن يدفع الثمن ، طبعا الكاميرا تراقب والعاقبة معروفة ، هذه هي الدنيا كثيرون أقبلوا على الحلويات بشغف وأعرضوا عن الذهب والألماس ، رغم أنه مجانا.
كنت في القطار فقابلني شخص ووجد المصحف في يدي فقال بالدارجة المغربية : أبغي نسولك سؤال ،
قلت له : مرحبا ،
قال أريد أن أحفظ القرآن ،
قلت له : افعل شيئين ، الأول : النية ؛ أن تنوي أن تنجو من عذاب الله بحفظك القرآن ، الثاني : المواظبة ، وكان أحب العمل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أدومه وإن قلّ ،
فقال الشاب : ولكني لا أصلي ،
قلت له : سبحان الله ! تريد أن تحفظ القرآن وأنت لا تصلي ، طيب صلّ أولا ثم احفظ القرآن ، ثم خاطبته يعني لا تصلي كسلا ؟!
قال : نعم ،
قلت له : سأسألك سؤالا ،
قال : تفضل ،
قلت : لو كنت في عملك ثم أصابك الجوع ، وكما نقول في مصر أصبحت عصافير بطنك بتصوصو ماذا ستفعل ؟!
قال : سأقوم وأبحث عن طعام ،
قلت له : سبحان الله ! تبحث عن غذاء البدن ، وتنسى غذاء الروح ؟! ، الطعام والشراب غذاء الأبدان ، والقرآن غذاء الروح والجنان ، القرآن للإنسان كالروح للجثمان . من أحب أن يكلم الله فليدخل في الصلاة ، ومن أحب أن يكلمه الله فليقرأ القرآن ، وكلاهما في الصلاة ، تكلم الله ويكلمك الله سبحانه وتعالى ، ثم أخذ الكارت الخاص بي وانطلق ، كم من البشر يعانون من هذه الوحشة ، ولا يطيقون الجلوس بمفردهم إلا إن كان الفيس بوك ، والأصدقاء قريبين كانوا أو بعيدين ؟!
…. …. ….
طالبو السعادة – من المسلمين – في الدنيا ينقسمون لقسمين في هاتين الآيتين ، قال الله تعالى : ((فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ )) (202) البقرة .
القسم الأول (الحريصون على الدنيا) معروف ، وهم قوم حريصون على الدنيا ولا هم لهم إلا هي ، ربما يدخل أحدهم الصلاة إن صلى ويذكر كل شيء إلا الخالق سبحانه، همهم بطونهم قبلتهم نساؤهم إذا رأوك حسدوك ، وإن تواريت عنهم اغتابوك ، نسأل الله أن يجنبنا أن نكون من هؤلاء أحياءً وأمواتًا .
وأما القسم الثاني فهم يعملون للدنيا والآخرة ابتغاء وجه الله ، ولن أخوض في خلاف المفسرين في تعيين حسنة الدنيا ، فكلها تفاسير صحيحة ، ولكني أكتفي بقول الحبيب صلى الله عليه وسلم :” ليتخذ أحدكم قلبا شاكرا ولسانا ذاكرا وزوجة صالحة تعينه على أمر الآخرة ” رواه الترمذي وغيره .
وفي هذه الثلاثية صلاح العبد لأن المرء بأصغريه (القلب واللسان) ، وفي الأثر أكثر ما يدخل العبد النار اللسان والفرج ، ولا أقول إن المرأة تعالج جانب الشهوة فقط عند الرجل ، أو العكس ، وإنما تعالج الأمور الثلاثة (القلب والفرج واللسان) فصلوات الله وسلامه على من آتاه الله القرآن ومثله معه ، واختصر له الكلام اختصارا .
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ» .رواه مسلم ، وعندما قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اللهُمَّ أَمْتِعْنِي بِزَوْجِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِأَبِي أَبِي سُفْيَانَ، وَبِأَخِي مُعَاوِيَةَ قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ سَأَلْتِ اللهَ لِآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ، وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ، وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ، لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ، أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ، وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِي النَّارِ، أَوْ عَذَابٍ فِي الْقَبْرِ، كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ» رواه مسلم . فالهدف هو سعادة الآخرة الدائمة ، وليس السعادة المؤقتة في الدنيا ؛ فالدنيا ساعة .
أقول : سعادة الدنيا والآخرة تكمن في الإيمان والعمل الصالح كما قال الله سبحانه : ((مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً)) (97 النحل) .
ولست أرى السعادةَ جمعَ مالٍ … ولكن التقي هو السعيدُ ، وتقوى الله نعم الزاد زخرا … وعند الله للأتقى مزيدُ ،
وقد قلت من قبل : أيها الناس لا تعلقوا سعادتكم ببشر فإن مات ماتت السعادة ، ولا تعلقوا سعادتكم في المال فإن فنيت جيوبكم بكيتم وتحسرتم كثيرا ، وإنما اجعلوا سعادتكم في الاتصال بالله والتوكل عليه وحده ، وحينئذ من المحال أن تزول السعادة ؛ لأنها متصلة بمن لا يفنى ولا يزول سبحانه وتعالى ؛ ولعل هذا هو السر في قوله تعالى : ((وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا)) (58) الفرقان . وقول الحبيب صلى الله عليه وسلم : ” أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت، فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس ” رواه الطبراني وغيره .
…. …. ….

السعادة ليست فيما نملكه بأيدينا ،وهذا ما لاحظناه في الدنيا أن من رجى شيئا وسعى إليه وتحقق رجاؤه يكون سعيدا ، وربما يكون سعيدا أثناء سعيه للهدف ، وهذا يهون عليه مرارة السعي ، ثم سرعان ما يبحث عن رجاء أعلى من الأول ، وهكذا ، إن كان يطمح في شهادة ويسعى إليها ثم حصل عليها تحققت له سعادة مؤقتة ثم تفتر سعادته لأنه أصبح يطمح في العمل بشهادته فإن تحقق أمله حصلت له سعادة مؤقتة ، فإن قبض راتبا متوسطا طمح في أعلى ، حتى وإن أصبح مديرا للشركة فإنه يتطلع لهدف أعلى ، وهكذا حتى تنقطع آمال الدنيا وحينئذ يتوقف مؤشر السعادة المضطرب، وحينئذ لا يجد الإنسان إلا الأمل الباقي في الله تعالى أن ييسر له جنات النعيم ، كما ذُكِرَ عن هارون الرشيد – بعد القصور والكنوز واللذائذ التي تنعم فيها – عندما سئل عن ما يشتهي قال أشتهي جنة الله ، ومن هنا نقول إن المؤمن عندما يجعل الجنة هدفه سيهون عليه صعب في الدنيا في سبيل سعادته الأبدية ، بل ويستعذب بلاء الدنيا الملح الأجاج ،
ومن تكن العلياء همة نفسه … فكل الذي يلقاه فيها محببُ
…. …. ….

كثيرون من البشر يسعون إلى غذاء البدن فقط ، وما أكثر من أفنوا أعمارهم في سبيل هذا ، وما أكثر ضحايا القتل – والاغتصاب والسرقة وغيرها من المصائب – بسبب شره النفس وتوحشها وطغيانها على الروح ، لا يقول عاقل إنه غذاء واحد ، إن الغذاء نوعان ، غذاء البدن وغذاء الروح ، والناس أربعة أقسام :
1- قوم يغذون البدن دون الروح ، وهم الكفار عموما ، وأغنياؤهم خصوصًا كما قال الله تعالى ((وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12 سورة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم) .
2- قوم يغذون الروح دون البدن ، وهم الأنبياء كما كان الحبيب صلى الله عليه وسلم
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الوِصَالِ رَحْمَةً لَهُمْ» ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تُوَاصِلُ، قَالَ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إِنِّي يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ» . رواه البخاري (1964) (3/37) ، ومسلم (1103) (2/774) .
3- قوم يغذون الروح والبدن معا ، وهم الأولياء وصالحو المؤمنين ، قال الله تعالى :
((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) (32 الأعراف) .
4- قوم لا يغذون الروح ولا البدن ، وهم فقراء الكفار خاصة ، وهي حالة تعتري بعض المشركين، كما في قوله تعالى :
((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11) يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ)) (12 العنكبوت) .
…. …. ….
آخر ما أختم به آيتان في كتاب الله تعالى كالشمس والقمر ، الأولى في سورة البقرة والأخرى في سورة طه ، قال الله تعالى : ((فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) (38) البقرة ،
((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى)) (123) طه . يقال تبع فلان فلانا إذا سار خلفه ولكن لم يدركه ، ويقال: اتَّبعه: إِذا لحقه وأدركه ، في سورة البقرة البداية من سار على الطريق وتبع هدى الله تعالى القرآن ، السنة ، في أول الطريق يبشره الله تعالى ببشارتين ، الأولى (فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) فلا يخاف من المستقبل المخيف عن عينيه من ملائكة وموت وقبر وملكين وسؤال ونعيم أو عذاب وجنة أو نار ، الثانية (وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) لا يحزن على الماضي الأليم المليء بالذنوب والمعاصي ، وكلنا أصحاب ذنوب ، كل بني آدم خطّاء وخير الخطّائين التوابون ، وإنسان يعيش آمن من المستقبل المخيف والماضي الأليم إنسان سعيد ، ووالله إن الإنسان ليمر ببعض الساعات فيقول لو أن أهل الجنة في هذا النعيم فإنهم لفي خير عظيم ، إن الأبرار لفي نعيم ، فما أجمل الحياة في طاعة الله !
وأما في سورة طه : ((فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ)) هذه هي النهاية الوصول إلى الرضوان والفوز بالجنان ، وهذا لا يتحقق إلا ببشارتين ، الأولى : ((فَلَا يَضِلُّ)) وهذه في لحظة الموت ، كما قال الله تعالى : ((يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ ما يَشاءُ)) (27 إبراهيم) فيثبت الله المؤمنين بكلمة التوحيد لا إله إلا الله – اللهم اجعلنا منهم – ، ومن كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة كما قال الحبيب صلى الله عليه وسلم ، ولحظة الموت هي محطة الوصول ، وبعدها الراحة التامة للمؤمنين ، وفي آيتين في القرآن الكريم ذكر الله ثواب الاستقامة في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) (13 الأحقاف) ، ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) فصلت .
ثم بين الله تعالى سبيل الوصول إلى سعادة الدنيا والآخرة فقال عز من قائل :
((وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)) (33) فصلت .

لكن لا بد من العلم والعمل معا ، وإذا كان العلم هو الشجرة فإن العمل هو الثمرة .
، البشرى الثانية ((وَلَا يَشْقَى)) وهذه لا تكون بحق إلا في الآخرة كما قال الله تعالى : ((يَوْمَ يَأْتِ لَا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ)) (106) هود ؛ لأن الدنيا مهما كانت جميلة ففيها شقاء
، وهكذا قال ربنا سبحانه قبل ابتلاء آدم وحواء ثم إهباطهم إلى الأرض : ((وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى (116) فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى)) (117) طه ، وقال سبحانه : (( لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ)) (4) البلد .

…. …. ….
مهما كان العبد مطيعا فهو لا يدري أمقبول هو أم محروم ، أم محبوب أم مستدرَجٌ ، كل طالب لشيء في الدنيا ويحصل عليه فليس سعيدا وإنما واهم ، السعادة الحقيقية في أهداف لن تتحقق في هذه الدنيا التعيسة ، وصدق من قال : أحزان قلبي لا تزول ….. حتى أُبَشَّرَ بالقبول ….. وأرى كتابي باليمين …… وتُقَرَّ عيني بالرسول صلى الله عليه وسلم .
أين السعادة الحقيقية الكاملة أيها الناس ؟!
((وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ)) (108 هود) .
في الرابط التالي قصة رجل اسمه سعيد لكنه كان يتقلب في المعاصي واللذائذ والشقاء بعيدا عن السعادة الحقيقية فكان يقول أنا (سعي) حتى وجد الحرف الذي يكمل له السعادة اسما ومسمىً وهو (د) في (دعوة إلى الله) وقد مات شهيدا نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا .
http://www.saaid.net/gesah/200.htm، فاللهم ارزقنا السعادة والحسنى وزيادة ، ومتعنا برضوانك في الدنيا والآخرة ، وصلّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والله أعلم .
ــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) صحيح ، رواه الطبراني (4278) (4/ 306) والحاكم (7921) (4/ 360) وغيرهما .

[1] حسن ، رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2126) والترمذي (2346) (4/ 574) وغيرهما .

[2] رواه مسلم (1054) (2/ 730) .

[3] رواه البخاري (6416) (8/ 89) .

[4] حسن صحيح ، رواه ابن ماجه (1629) (1/ 521) وإسحاق بن راهَوَيْه (2109) (5/ 12) وغيرهما .

[5] رواه البخاري (6509) (8/ 106) ومسلم (2444) (4/ 1894) .

[6] رواه ابن أبي الدنيا في المحتضَرين (294) (1/ 207) وابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 475) وغيرهما .

[7] تفسير القرطبي (9/ 184) .

[8] الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم (48) ، والمستدرك على مجموع فتاوى شيخ الإسلام – جمع الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن قاسم – رحمه الله – (1/ 153) .

لا تعليق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *